قبل سنوات كنا نادراً مانسمع بأن هناك طفلا مصاباً بالتوحد حتى أننا نحن المختصين كنا نتهم الأسر بالمبالغة وتضخيم الأمر من خلال ما ينشرونه على المواقع الالكترونية والمنتديات حيث كنا نعتقد بأن التوحد لن يتجاوز الآحاد . قبل أن تصدر احصائيات رسمية من قبل بعض المنظمات
هل أصبح التوحد هو مرض العصر ؟؟
في السابق وعندما كنت أقرأ عن نسبة انتشار التوحد في المجتمعات الأخرى في امريكا مثلاً كنت أعتقد بأن هناك مبالغة في نسب الاصابة بالتوحد ولكن من واقع عملي المباشر واليومي مع الأطفال وحالات التوحد باختلاف الأعمار لاحظت في السنوات الأخيرة زيادة واضحة ومهولة في نسب الانتشار بشكل ملحوظ وفي الآونة الأخيرة أصبح خطر التوحد حقيقة وليس وهم واليوم تتحدث الاحصائيات وتؤكد إصابة طفل واحد لكل 68 طفل طبيعي حتى أصبح لدينا اليوم في العالم أكثر من 51 مليون اصابة موثقة حسب منظمة الأمم المتحدة وإني أجزم بأن الكثيرين في الوطن العربي قد يرون بأن هناك مبالغة وتهويل في هذه النسبة والترويج لها في وسائل التواصل الاجتماعي
وبغض النظر عن ذلك الجدل القائم فإن انتشار التوحد في المملكة العربية السعودية والعالم في الآونة الأخيرة لم يعد وهماً بل أصبح حقيقه صادمة تحتاج منا وقفة للبحث في الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك . وستشهد السنوات القادمة زيادة أكبر في نسب الإصابة ولعل البعض قد ينكر ذلك لأنهم لا يعلمون بأن هناك نسبة كبيرة من الأطفال الذين تجاوزوا الخامسة من العمر لديهم طيف توحدي تقارب 40 بالمئة ولكن لم يتم تشخيصهم بعد ومنهم من إلتحق بالروضات وبالمدارس ويجدون صعوبة في التفاعل والانسجام مع أقرانهم ويتذمرون منهم الأهل والمعلمين ويشتكون من تصرفاتهم حتى أن بعض الروضات والمدارس تطلب من أسرهم نقلهم لروضات أو مدارس أخرى بسبب عدم استقرارهم . وهذا يضع الأسر في دوامة مستمرة يتنقلون فيها من روضة إلى روضة ومن مدرسة إلى مدرسة قبل أن يعرفوا بأن ابنهم مصاب بأحد أطياف التوحد مما يؤخر عليهم تقديم الخدمات اللازمة لابنهم وقد رأينا حالات كثيرة ممن تجاوزوا سن الخامسة وتأخر تشخيصهم ولا يعني ذلك بأن الطفل التوحدي عاجز عن الكلام أو اللعب أو حتى المشاركة والتخيل أو مواصلة الدراسة في التعليم العام بل على العكس نصف الأطفال التوحديين يعتبرون من الناطقين ويحبون اللعب مع أقرانهم ويشاركونهم اللعب وبعضهم قادرين على مواصلة الدراسة في الصفوف العادية في التعليم العام ولكنهم يعانون من صعوبات في التفاعل والحوار والتعبير والانسجام وقد يجدون عدم تقبل من قِبل أقرانهم مما يدعوهم للانسحاب من اللعب والمشاركة لعدم قدرتهم على التعبير والحوار ذهاباً وإياباً وبإختصار هم لا يأخذون ولا يعطون بشكل طبيعي مع أقرانهم الآخرين ويميلون للعب مع الأشخاص الكبار بدلاً من أقرانهم في العمر الذين لايتقبلونهم وهناك أشخاص بالغين ومتزوجين ويديرون حياتهم باستقلالية ولديهم أبناء ومستقلين في حياتهم ولا ننسى بعض العباقرة المصابين بالتوحد الذين سطروا أسمائمهم في صفحات التاريخ
ونحن اليوم بأمس الحاجة للوعي الكافي والتفكير بجدية لتقبل هذه الفئة وإزالة جميع العقبات أمامهم ودمجهم في المجتمع وقبولهم في المدارس والروضات مع توفير كامل الخدمات لدمجمهم مع أقرانهم وتأهيلهم للمستقبل وهناك تجارب فردية من بعض الأسر والمدارس قد أثبتت نجاحها ونحتاج لجهود لنقلها إلى عمل منظم رسمي تتبناه المؤسسات الرسمية في دولنا ورغم الجهود المبذولة التي لا ننكرها من قبل بعض المؤسسات الرسمية إلا أننا بالمقابل يجب أن نعترف بأن هناك قصور في استمرارية وتكامل هذه الخدمات
وتقبلوا فائق تقديري